صعوبات التعلم

  1. تعريف صعوبات التعلم

صعوبات التعلم هي اضطرابات عصبية تؤثر على طريقة استقبال الدماغ للمعلومات ومعالجتها وتخزينها واسترجاعها. وهي لا ترتبط بانخفاض مستوى الذكاء، وإنما ناتجة عن خلل في وظيفة معينة ضمن الجهاز العصبي المركزي. وتشير الإحصائيات الصادرة عن منظمة اليونسكو إلى أن ما بين 8 إلى 12% من الطلاب حول العالم يعانون من أحد أشكال صعوبات التعلم، وهو ما يجعلها ظاهرة تعليمية ونفسية تستدعي الدراسة والتدخل.

تُصنف صعوبات التعلم عادة إلى صعوبات تعلم نمائية، والتي تؤثر على العمليات العقلية الأساسية مثل الانتباه، الإدراك، الذاكرة، التفكير، اللغة؛ وصعوبات تعلم أكاديمية، والتي تؤثر مباشرة في التحصيل الدراسي كالقراءة، الكتابة، والحساب. هذا التصنيف يساعد في توجيه المعلمين وأولياء الأمور لفهم طبيعة كل نوع من هذه الصعوبات ووضع خطة علاجية مخصصة. ونظرًا لأن هذه الصعوبات ليست مرئية أو محسوسة مثل الإعاقات الجسدية، فقد يتأخر اكتشافها، مما يزيد من آثارها النفسية والسلوكية على الطفل.

  1. الأسباب العصبية والوراثية

تشير الأدلة العلمية إلى أن صعوبات التعلم تعود إلى خلل في التكوين العصبي الدماغي، خاصة في المراكز المسؤولة عن اللغة والذاكرة والانتباه. وأظهرت الدراسات التي أُجريت في جامعة كامبريدج أن الأطفال المصابين بصعوبات التعلم يُظهرون نشاطًا غير متوازن في الفص الجداري والفص الصدغي الأيسر من الدماغ، مما يؤثر على معالجة الرموز واللغة.

من الناحية الوراثية، تبيّن من خلال دراسة نُشرت في المجلة الأوروبية للوراثة البشرية أن وجود أحد الوالدين ممن عانى من صعوبات تعلم يزيد من احتمالية إصابة الأبناء بنسبة تصل إلى 50%. كما تساهم الظروف البيئية أثناء الحمل، مثل تعرض الأم للمواد السامة أو ضعف التغذية، في زيادة احتمال ظهور صعوبات التعلم لدى الطفل. عوامل مثل نقص الأوكسجين أثناء الولادة أو العدوى الفيروسية في الأشهر الأولى تلعب دورًا مماثلًا في إحداث ضرر بسيط لكنه مستمر في النمو العصبي.

  1. أنواع الصعوبات وتشخيصها

تتنوع صعوبات التعلم إلى خمسة أنواع رئيسية: صعوبة القراءة، وصعوبة الكتابة، وصعوبة الحساب، وصعوبات الانتباه والتركيز، وصعوبات التعلم غير اللفظية.

  • صعوبة القراءة (عسر القراءة): يعاني الطفل من ضعف في التعرف على الكلمات، وصعوبة في التهجي، وبطء في القراءة، وتدنٍ في فهم النصوص. تصيب هذه الحالة نحو 7% من الطلاب.
  • صعوبة الكتابة: تتجلى في ضعف التناسق الحركي، أخطاء متكررة في التهجئة، وصعوبة في تنظيم الأفكار على الورق.
  • صعوبة الحساب: تشمل ضعف الفهم العددي، اضطراب في إدراك التسلسل الزمني، وصعوبة في حل المسائل.
  • صعوبات التركيز والانتباه: يعاني الطفل من فرط الحركة أو التشتت الذهني، ما يؤثر على أدائه العام.
  • الصعوبات غير اللفظية: تؤثر على الفهم البصري المكاني والمهارات الاجتماعية.

يُشخص الطفل عبر اختبارات معيارية تشمل قياس الذكاء العام، اختبارات اللغة، اختبارات الذاكرة والانتباه، وتحليل السلوك التعليمي في الصف. وغالبًا ما يشارك في التشخيص فريق متعدد التخصصات يضم طبيب أطفال، أخصائي نفسي، وأخصائي تربية خاصة.

  1. العلامات والتأثيرات اليومية

تبدأ أعراض صعوبات التعلم بالظهور منذ السنوات الأولى في المدرسة، وتتفاوت بحسب نوع الصعوبة وحدتها. ومن أبرز العلامات: تأخر في تعلم القراءة أو العد، نسيان التعليمات بسرعة، ضعف التنظيم، تجنب أداء الواجبات، والتعب السريع أثناء الدراسة. كما يلاحظ على الطفل قلق زائد، إحباط دائم، وتراجع في تقديره لذاته مقارنة بأقرانه.

تشير دراسة نُشرت عام 2019 في المجلة العربية لعلم النفس إلى أن نحو 45% من الطلاب ذوي صعوبات التعلم يعانون من مشكلات في العلاقات الاجتماعية، سواء بسبب التنمر أو الانسحاب من الأنشطة الجماعية. وتؤكد دراسة أخرى في السعودية أن الأمهات يقضين وقتًا مضاعفًا في متابعة دراسة أبنائهن من ذوي الصعوبات مقارنة بالأمهات الأخريات.

أما على المستوى النفسي، فيُظهر الطفل أعراضًا مثل نوبات الغضب، أو صعوبة في التحكم بالمشاعر، أو مقاومة الذهاب إلى المدرسة. هذه التأثيرات تتفاقم عندما يُساء تفسير أداء الطفل من قبل المعلمين أو الأهل، ويتم اتهامه بالتقصير أو الكسل، في حين أن جذور المشكلة عضوية تعليمية.

من هنا تأتي أهمية بناء وعي شامل لدى الأسرة والمعلمين لفهم هذه المؤشرات، والتعامل معها بلين وصبر وتفهم، وتجنب فرض معايير مقارنة تقليدية على الطفل.

  1. أساليب تعليمية فعالة

النهج الأمثل للتعامل مع صعوبات التعلم هو التعليم الفردي المتخصص، الذي يراعي نمط تعلم الطفل وقدراته الخاصة. وتشير وزارة التعليم الماليزية في تقرير عام 2022 إلى أن تخصيص خطط تعليم فردية للطلاب من ذوي صعوبات التعلم ساهم في رفع متوسط أدائهم بنسبة 32% خلال عام دراسي واحد.

تشمل الأساليب التعليمية الفعالة: التعليم متعدد الوسائط (الذي يستخدم الصوت والصورة والحركة معًا)، تكرار المفاهيم بطرق متنوعة، تقسيم المعلومات إلى وحدات صغيرة، استخدام الوسائل الملموسة، وتمارين تقوية الذاكرة. بالإضافة إلى استخدام التكنولوجيا المساعدة مثل البرامج التعليمية الناطقة أو لوحات التفاعل الذكية.

من المهم أن يخضع المعلمون لدورات تدريبية في الكشف المبكر عن صعوبات التعلم، وفهم طبيعة التحديات النفسية والتعليمية المصاحبة لها. كما يجب إشراك الأهل في تصميم الخطة التعليمية، وتدريبهم على كيفية تقديم المساعدة الأكاديمية في المنزل.

  1. دعم الأسرة والمجتمع

يلعب الوالدان دورًا أساسيًا في رحلة نجاح الطفل، ويبدأ ذلك بتقبّل المشكلة والتعامل معها كحالة خاصة لا تُنقص من قيمة الطفل أو طموحه. يجب تجنب المقارنة بينه وبين أشقائه أو زملائه، والعمل على تعزيز ثقته بنفسه من خلال الاحتفاء بالجهد لا بالنتيجة.

أظهرت دراسة أردنية عام 2021 أن الأطفال الذين حظوا بدعم نفسي وأسري متواصل تحسن أداؤهم الأكاديمي بنسبة 40% خلال عامين فقط. ويتحقق هذا الدعم من خلال إشراك الطفل في الأنشطة التي يحبها، وتمكينه من التعبير عن ذاته بحرية، وتوفير بيئة منزلية مستقرة ومنظمة.

من جهة أخرى، يتوجب على المجتمع بمؤسساته التعليمية والإعلامية تقديم خطاب شامل يُعرّف بصعوبات التعلم، ويعزز من تقبّل التنوع في قدرات الطلاب. وينبغي أن تتبنى المدارس نماذج الدمج التعليمي، وتوفر كوادر متخصصة في العلاج التربوي والنفسي، خصوصًا في المناطق النائية.

وفي المحصلة، فإن صعوبات التعلم ليست حواجز نهائية، بل محطات تحتاج إلى إدراك مبكر، وتوجيه علمي، واحتواء عاطفي، حتى يكتشف كل طفل طريقه الفريد نحو التميّز.

×
Avatar
سهل
الربوت الالي
كيف يمكن اساعدك؟