التكوين والخصائص

عطارد، الكوكب الأقرب إلى الشمس في نظامنا الشمسي، يُعتبر أصغر الكواكب حجمًا بعد الكواكب القزمة مثل بلوتو. قطره يبلغ حوالي 4,880 كيلومترًا، وهو ما يعادل 38% من قطر الأرض. يتميز عطارد بكثافته العالية، إذ يُعد ثاني أعلى كوكب في النظام الشمسي من حيث الكثافة بعد الأرض، ما يشير إلى أن لبّه الداخلي يتكون غالبًا من الحديد والمعادن الثقيلة بنسبة كبيرة جدًا.

يدور عطارد حول الشمس بسرعة هائلة تبلغ حوالي 47.87 كيلومترًا في الثانية، مما يجعله أسرع كوكب في النظام الشمسي. يكمل دورة حول الشمس (سنة عطارد) في 88 يومًا فقط، ولكنه يدور حول محوره ببطء شديد، حيث يستغرق حوالي 59 يومًا لإكمال دورة واحدة. وهذا يعني أن يومًا واحدًا على سطح عطارد أطول من سنته.

السطح الخارجي لعطارد مليء بالفوهات الناتجة عن اصطدام النيازك والمذنبات، مما يجعله يشبه القمر الأرضي من حيث الشكل. درجات الحرارة على سطحه متطرفة للغاية بسبب قربه من الشمس وانعدام غلاف جوي فعال يحميه. تصل درجات الحرارة خلال النهار إلى حوالي 430 درجة مئوية، في حين تنخفض خلال الليل إلى -180 درجة مئوية، مما يجعله يعاني من تقلبات حرارية شديدة.

الغلاف الجوي لعطارد يُعرف بـ “الغلاف الخارجي الرقيق” أو “الإكسوسفير”، حيث يتكون من ذرات صغيرة من الهيليوم والهيدروجين والصوديوم والبوتاسيوم الناتجة عن تفاعل الرياح الشمسية مع سطحه. هذا الغلاف ضعيف جدًا ولا يمكنه حماية الكوكب من الإشعاعات الشمسية أو الاحتفاظ بالحرارة، مما يفسر هذه التقلبات الكبيرة في درجات الحرارة.

دوران عطارد

حركة عطارد الفريدة في الفضاء تُعد واحدة من أكثر الظواهر إثارة لاهتمام العلماء. كما ذُكر، يدور عطارد حول محوره ببطء مقارنة بسرعته في الدوران حول الشمس. هذه الظاهرة تُعرف بظاهرة الرنين المداري، حيث يُكمل عطارد ثلاث دورات حول محوره خلال كل دورتين يدور فيهما حول الشمس. هذا التناسق غير العادي يعني أن الشمس تظهر وكأنها تتحرك بحركة غير مألوفة عند مشاهدتها من سطح عطارد، إذ قد تبدو وكأنها تتوقف أو تتحرك إلى الوراء قبل أن تستأنف مسارها الطبيعي.

بالإضافة إلى ذلك، مداره حول الشمس ذو شكل بيضاوي (إهليلجي) للغاية، مما يجعل المسافة بينه وبين الشمس تتغير بشكل كبير. عندما يكون في أقرب نقطة له من الشمس (الحضيض)، تكون الجاذبية الشمسية أقوى مما يؤدي إلى زيادة سرعة الكوكب. وعندما يكون في أبعد نقطة (الأوج)، تقل سرعة الكوكب بسبب ضعف تأثير الجاذبية.

هذه الحركة الغريبة لعطارد كانت حاسمة لفهم النسبية العامة لأينشتاين. ظاهرة تُعرف بـ “تقدم حضيض عطارد”، حيث لوحظ أن موقع الحضيض في مداره يتحرك بمرور الوقت بطريقة لم تُفسر تمامًا بواسطة قوانين الفيزياء الكلاسيكية. نظرية النسبية العامة قدمت تفسيرًا دقيقًا لهذا السلوك، مما جعل عطارد شاهدًا علميًا مهمًا على صحة هذه النظرية.

سطح عطارد

سطح عطارد يُعتبر بمثابة سجل جيولوجي طبيعي للنشاط الذي شهده النظام الشمسي خلال مليارات السنين. يتميز السطح بكثرة الفوهات الناتجة عن اصطدام الكويكبات والمذنبات، وهي من بين الأكثر وضوحًا في النظام الشمسي. على سبيل المثال، يوجد على عطارد “حوض كالوريس”، وهو واحدة من أكبر الفوهات الناتجة عن اصطدام كويكب، يبلغ قطره حوالي 1,550 كيلومترًا، وقد تم اكتشافه عبر الصور التي التقطتها مهمة “مارينر 10”.

بالإضافة إلى الفوهات، يحتوي السطح على تضاريس تُعرف بـ “التجاعيد التكتونية”، وهي سلاسل جبلية صغيرة نشأت عندما تقلص الكوكب ببطء نتيجة تبريده عبر الزمن. هذا التقلص أدى إلى ظهور انحناءات على سطح الكوكب، وهو أمر فريد من نوعه في النظام الشمسي.

أحد الأمور المثيرة للاهتمام هو وجود مناطق دائمة الظل في القطبين الشمالي والجنوبي لعطارد. في هذه المناطق، لم تصلها أشعة الشمس أبدًا بسبب زاوية الميلان الصغيرة للكوكب، مما يجعلها مناطق شديدة البرودة على الرغم من قرب الكوكب من الشمس. اكتشف العلماء أدلة على وجود جليد مائي في هذه الفوهات المظلمة، وهو أمر مثير للدهشة لأن عطارد يُعتبر كوكبًا شديد الحرارة.

سطح عطارد يعاني أيضًا من الرياح الشمسية التي تضربه مباشرةً بسبب غلافه الجوي الضعيف جدًا. هذا التفاعل يؤدي إلى نشوء طبقة رقيقة من الذرات المتطايرة التي تُشكل ما يُعرف بالإكسوسفير، مما يجعل السطح غير مستقر كيميائيًا وديناميكيًا.

الغلاف والمجال

على الرغم من أن عطارد يفتقر إلى غلاف جوي حقيقي، إلا أن الكوكب يمتلك ما يُعرف بـ “الإكسوسفير”، وهي طبقة رقيقة للغاية تتكون من ذرات منتشرة مثل الهيدروجين، والهيليوم، والصوديوم، والبوتاسيوم. مصدر هذه الذرات هو التفاعل بين الرياح الشمسية وسطح الكوكب، حيث تؤدي هذه الرياح إلى تحرير الذرات من الصخور على السطح.

بالإضافة إلى ذلك، يملك عطارد مجالًا مغناطيسيًا ضعيفًا مقارنة بالأرض، لكنه يبقى فريدًا لأنه الكوكب الوحيد في النظام الشمسي غير الأرض الذي يمتلك مجالًا مغناطيسيًا فعّالًا. هذا المجال ناتج عن اللب الحديدي الكبير للكوكب ونشاطه الديناميكي الداخلي. ومع ذلك، يُعد هذا المجال أصغر وأضعف بكثير من نظيره على الأرض.

وجود المجال المغناطيسي يُنتج ظاهرة تُعرف بـ “الغلاف المغناطيسي” الذي يحمي الكوكب إلى حد ما من الإشعاعات الشمسية والجسيمات المشحونة، لكن هذا الحماية ليست كافية لتقليل تأثير الرياح الشمسية الشديدة التي تضرب الكوكب بشكل مباشر.

ألغاز الكوكب

رغم عقود من الدراسة، لا يزال عطارد مليئًا بالأسرار التي لم تُحل بعد. واحدة من أكبر الألغاز هو لب الكوكب الكبير بشكل غير عادي، الذي يشكل حوالي 85% من نصف قطر الكوكب. العلماء يعتقدون أن هذا اللب كان نتيجة لتفاعل عنيف في الماضي، ربما اصطدام ضخم أدى إلى فقدان الكثير من مادته السطحية وترك اللب المكشوف.

لغز آخر هو وجود الجليد المائي في الفوهات المظللة بالقطبين، الذي لا يزال محل دراسة لمعرفة مصدره وكيف يمكن أن يبقى مستقرًا في مثل هذه البيئة القاسية. هل جاء هذا الجليد من المذنبات التي اصطدمت بالكوكب؟ أم أنه نتيجة عمليات جيولوجية داخلية؟

كذلك، تطور سطح الكوكب وتأثيرات الرياح الشمسية يثير أسئلة حول استقرار الكوكب عبر مليارات السنين. الرياح الشمسية تستمر في تآكل السطح وإحداث تغييرات مستمرة، مما يُصعب دراسة التاريخ الجيولوجي للكوكب بشكل دقيق.

×
Avatar
سهل
الربوت الالي
كيف يمكن اساعدك؟