التكوين والخصائص

كوكب الزهرة، المعروف باسم “نجمة الصباح” أو “نجمة المساء”، يُعتبر ثاني أقرب كوكب إلى الشمس في نظامنا الشمسي وهو مشابه جدًا للأرض من حيث الحجم والتركيب. يُطلق عليه أحيانًا “توأم الأرض” بسبب قربه من حجم الأرض (يبلغ قطره حوالي 12,104 كيلومترًا، أي 95% من قطر الأرض) وتشابههما في الكثافة والتركيب الكيميائي.

يتكون كوكب الزهرة في الغالب من الصخور والسيليكات، وله نواة معدنية يعتقد أنها مكونة بشكل رئيسي من الحديد. لكن على عكس الأرض، لا يظهر الزهرة علامات على وجود صفائح تكتونية نشطة. سطح الكوكب مليء بالفوهات البركانية والسهول الحمم البركانية التي تشكلت نتيجة النشاط البركاني الهائل. يُعتقد أن الغلاف الخارجي للكوكب قد مر بمرحلة من الانصهار الكامل بسبب نشاط بركاني مكثف في الماضي.

درجة الحرارة على سطح الزهرة هي الأكثر ارتفاعًا في نظامنا الشمسي، حيث تصل إلى حوالي 465 درجة مئوية، حتى أنها أعلى من درجة الحرارة على كوكب عطارد على الرغم من أن عطارد أقرب إلى الشمس. السبب في ذلك هو تأثير “الاحتباس الحراري الجامح”، حيث يلتقط الغلاف الجوي السميك للزهرة الحرارة ويبقيها محبوسة على السطح.

الغلاف الجوي للزهرة مليء بثاني أكسيد الكربون، الذي يشكل حوالي 96.5% من تركيب الغلاف، بينما البقية تتكون من النيتروجين وكميات ضئيلة من الغازات الأخرى. هناك أيضًا طبقات كثيفة من السحب المكونة من حمض الكبريتيك، والتي تعكس حوالي 70% من ضوء الشمس، مما يمنح الكوكب لمعانه المميز عند رؤيته من الأرض. هذه الغيوم تجعل من الصعب رؤية سطح الكوكب بالضوء المرئي، لكن الرادار الذي استخدمته البعثات الفضائية ساهم في رسم خريطة تفصيلية لسطحه.

دوران الكوكب

حركة الزهرة في الفضاء تُعد فريدة وغير معتادة مقارنة بالكواكب الأخرى في النظام الشمسي. يدور الزهرة حول محوره في الاتجاه المعاكس لغالبية الكواكب الأخرى، بمعنى أن الشمس تشرق من الغرب وتغرب في الشرق عند النظر من سطح الزهرة. هذه الظاهرة تُعرف بالدوران العكسي، وما زال العلماء غير متأكدين تمامًا من سبب حدوثها، لكن يُعتقد أنه قد يكون نتيجة اصطدام عنيف مع جسم سماوي كبير في الماضي البعيد.

يستغرق الزهرة وقتًا طويلاً لإكمال دورة واحدة حول محوره، حيث يُكمل يومه خلال 243 يومًا أرضيًا، مما يجعله أطول من سنة الزهرة نفسها التي تبلغ حوالي 225 يومًا أرضيًا. هذا يعني أن يومًا واحدًا على الزهرة أطول من سنة كاملة! بالإضافة إلى ذلك، مداره حول الشمس أقل إهليلجيًا (أي أكثر دائرية) مقارنة بالكواكب الأخرى.

مدار الزهرة حول الشمس قريب جدًا من الأرض، مما يجعله واحدًا من ألمع الأجرام السماوية في سماء الليل. يُلاحظ الكوكب عادةً عند شروق الشمس أو غروبها، ولهذا أُطلق عليه أسماء مثل “نجمة الصباح” و”نجمة المساء”.

سطح الزهرة

سطح الزهرة يُعد من أكثر الأسطح غير المضيافة في نظامنا الشمسي، ولكنه في الوقت نفسه مصدر غنى بالمعلومات الجيولوجية. بسبب الغلاف الجوي السميك والسحب الكثيفة، لا يمكن رؤية سطحه باستخدام الضوء المرئي، مما دفع العلماء لاستخدام الرادار لرسم خريطة دقيقة للكوكب. إحدى أبرز المهمات كانت مهمة “ماجلان” التي أطلقتها ناسا في عام 1989، والتي قدمت صورًا تفصيلية للسطح.

الزهرة مليء بالبراكين الضخمة التي تغطي معظمه. يُعتقد أن النشاط البركاني لعب دورًا كبيرًا في تشكيل الكوكب، وهناك أدلة على أن بعض البراكين قد تكون نشطة حتى اليوم. أكثر التضاريس إثارة هي السهول الواسعة المغطاة بالحمم البركانية وتضاريس تُعرف باسم “التاجات”، وهي مناطق دائرية يُعتقد أنها تشكلت بفعل صعود الصخور المنصهرة من الطبقات الداخلية.

رغم قساوة السطح، إلا أن وجود بعض المركبات الفضائية مثل “فينيرا” الروسية، التي هبطت على الكوكب، قدم لنا نظرة نادرة ومباشرة لما يبدو عليه السطح. الصور التي التُقطت بواسطة “فينيرا” أظهرت أن السطح يتكون بشكل رئيسي من الصخور والصخور البركانية.

الغلاف الجوي السام

الغلاف الجوي لكوكب الزهرة هو أحد أكثر العناصر تميزًا فيه، لكنه أيضًا أحد أكثر الأجواء عدائية في النظام الشمسي. كما ذُكر سابقًا، يتكون الغلاف الجوي بشكل رئيسي من ثاني أكسيد الكربون مع كميات صغيرة من النيتروجين. الكثافة العالية لهذا الغلاف تخلق ضغطًا على سطح الكوكب يعادل حوالي 92 ضعف الضغط الجوي على سطح الأرض، وهو ما يعادل الضغط الذي يتعرض له غواص على عمق كيلومتر تحت الماء.

الطبقات العليا للغلاف الجوي مغطاة بسحب حمض الكبريتيك، مما يجعل الكوكب غير صالح للسكن بأي شكل. هذه السحب مسؤولة عن الظاهرة المعروفة بالاحتباس الحراري الجامح، حيث يتم حبس الحرارة القادمة من الشمس بشكل دائم داخل الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى درجات الحرارة الهائلة على السطح.

بالإضافة إلى ذلك، الرياح في الطبقات العليا للغلاف الجوي تتحرك بسرعة كبيرة تصل إلى حوالي 360 كيلومترًا في الساعة، مما يُعرف بـ “دوران الغلاف الجوي الفائق”، حيث يدور الغلاف الجوي بسرعة أكبر بكثير من دوران الكوكب نفسه. هذه الظاهرة ما زالت قيد الدراسة لفهم آلياتها بالكامل.

ألغاز الكوكب

رغم التقدم العلمي الكبير، لا يزال كوكب الزهرة مليئًا بالألغاز التي تجعل العلماء يرغبون في معرفة المزيد عنه. على سبيل المثال، يُعتقد أن الزهرة كان يحتوي على محيطات مائية في الماضي، لكن ما حدث لها لا يزال محل نقاش. إحدى النظريات تشير إلى أن الاحتباس الحراري الجامح تسبب في تبخر المياه إلى الفضاء بمرور الوقت.

لغز آخر هو النشاط البركاني الحالي. رغم أن السطح مليء بالبراكين القديمة، إلا أن هناك أدلة تشير إلى احتمال وجود نشاط بركاني مستمر. إذا كان هذا صحيحًا، فإن الزهرة سيكون أحد الكواكب النشطة جيولوجيًا بجانب الأرض.

أيضًا، هناك تساؤلات حول الغلاف الجوي السام للكوكب: كيف أصبح غنيًا جدًا بثاني أكسيد الكربون؟ ولماذا لا يوجد أي أثر للأكسجين أو الغازات المألوفة الأخرى التي نراها على الأرض؟ الإجابة عن هذه الأسئلة قد تُقدم رؤى حول كيفية تطور الكواكب وكيف يمكن أن يصبح كوكب مشابه للأرض عدائيًا للغاية.

×
Avatar
سهل
الربوت الالي
كيف يمكن اساعدك؟